وكالة مهر للأنباء- قسم الشؤون الدولية: لفهم المشهد السياسي والاجتماعي في "عروس الشرق الأوسط" هذه الأيام، يمكننا العودة إلى المثل العربي المعروف: "عند الشدائد تعرف الإخوان". ففي الوقت الذي تخوض فيه الدولة والشعب اللبناني معركة وجودية ضد آخر بقايا الاستعمار في شرق المتوسط، يتجه تيار القوات اللبنانية بقيادة "سمير جعجع" إلى السير على خطى الحرب الأهلية مجدداً.
في زمن الحرب الأهلية، عندما حلمت "الكتائب اللبنانية" بقيادة بشير الجميل بالسيطرة على لبنان على ظهور الدبابات الإسرائيلية، وقف الشعب اللبناني الحر، بقيادة الشيعة، وحوّل بيروت إلى مقبرة للمحتلين الأمريكيين والفرنسيين والإسرائيليين، بالإضافة إلى الخونة. وبعد أربعة عقود من تلك الأيام الصعبة، أصبح شباب المقاومة البسطاء قادة ناضجين لأكبر حركة مقاومة في العالم الإسلامي، حزب الله.
أما الخونة، فهم اليوم في أركان المشهد السياسي اللبناني يطلقون تصريحات ضد الكرامة والشرف العربي- الإسلامي لشعب لبنان. تحركات سمير جعجع ومؤيديه في الآونة الأخيرة دفعت المحللين إلى الاعتقاد بأنهم يحاولون مجدداً استغلال الأوضاع الداخلية في لبنان للضرب على وتر الفتنة وإثارة النفاق.
"القوات اللبنانية" صوت الصهاينة في لبنان
تشهد شوارع لبنان هذه الأيام تحركات لعناصر سمير جعجع، حيث يقومون بتعليق لافتات وشعارات تحمل مضمون :"لكي لا يتكرر الماضي"، مع استخدام وسم #لبنان_لا_يريد_الحرب. المفارقة اللافتة أن هذا الشعار هو نفسه شعار الشعب اللبناني وقوى المقاومة!
الشعب اللبناني، الذي يمتلك ذاكرة تاريخية قوية، تعلم من تجارب الماضي المريرة، ولا يزال يتذكر جيداً حقبة وجود الاحتلال في بيروت. في ذلك الوقت، بدلاً من أن تكون القوى العسكرية للكتائب في خدمة استقلال لبنان وعزته، تحولت إلى قوات مشاة تعمل لصالح الكيان الصهيوني وأمريكا داخل لبنان.
إعادة قراءة هذا التاريخ تفرض على الشعب اللبناني وحزب الله توخي الحذر من المؤامرات التي يحيكها جعجع، ورفض أي محاولات للفتنة التي يسعى إلى إثارتها.
وفي الأيام الأخيرة، كشفت وسائل إعلام عبرية مثل "يديعوت أحرونوت" عن رد نتنياهو الأولي على خطة "عاموس هوكشتاين"، المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون لبنان. وكان رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، وحزب الله قد قبلا مسبقاً مقترح وقف إطلاق النار، بشرط إزالة البند المتعلق بـ"حرية العمل الإسرائيلي في لبنان"، مع مراعاة مصالح لبنان والمقاومة.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه الكرة في ملعب الإسرائيليين، تأمل تل أبيب أن تتمكن من عرقلة تحقيق الهدوء على الحدود الشمالية عبر الاعتماد على "الطابور الخامس" داخل لبنان.
سجل الخيانة
رغم أن لبنان يُعد دولة حديثة التأسيس في منطقة الشام، وقد بُني على أساس التنوع الطائفي والسياسي، إلا أن روحًا قومية لطالما جمعت مكوناته، معتمدة على مبدأين أساسيين: "العروبة" و"مواجهة الكيان الصهيوني". ومع ذلك، فإن الكتائب (وليس الإخوة والأخوات الموارنة) كانت دائمًا تقف في الجانب المظلم من التاريخ، ساعية لتنفيذ أجندات الاستعمار الغربي والكيان الإسرائيلي على أرض هذه البلد.
هل يشعل سمير جعجع فتيل الحرب الأهلية في لبنان؟
على غرار الصهاينة، تبنت الكتائب نهجًا طائفيًا متطرفًا بدلاً من الالتزام بتعاليم الأديان الإبراهيمية السمحة، وسعت إلى فرض هيمنة المسيحيين على المشهد السياسي في لبنان. لم يكن لهذه الحركة "خطوط حمراء"، إذ أزاحت كل من وقف في طريقها بلا رحمة.
رغم أن جذور هذا التيار تعود إلى بدايات تأسيس لبنان، فإن ذروته كانت مع إنشاء حزب "الكتائب" على يد "بشير الجميل". هذا الأخير، سعيًا للوصول إلى منصب الرئيس المطلق والمسيطر في لبنان، تحالف مع الصهيونية ضد منظمة التحرير الفلسطينية (فتح)، وكان له دور محوري في تهجير المجاهدين الفلسطينيين قسرًا من الأراضي اللبنانية.
لم يكتف هذا الحزب الفاشي بمحاربة منظمة التحرير الفلسطينية، بل كان أيضًا حجر الأساس في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. وأسوأ جرائمه تمثلت في المذبحة الوحشية في مخيمي صبرا وشاتيلا، التي أثبتت أن عقيدته ومنهجه السياسي لا يختلفان عن "آرييل شارون" وعصابته الإجرامية التي تحكم تل أبيب.
سمير جعجع على خطى بشير الجميل
بعد اغتيال بشير الجميل وتصاعد العمليات الاستشهادية للمقاومة ضد الاحتلال من جهة، وتوقيع اتفاق الطائف بين مختلف القوى اللبنانية من جهة أخرى، بدأ النفوذ التقليدي للكتائب يتراجع تدريجياً. واضطر أمين الجميل، زعيم الكتائب آنذاك، إلى مغادرة الأراضي اللبنانية بسبب السمعة السيئة التي لحقت به وبحزبه في لبنان.
اليوم، وبعد مرور سنوات طويلة على سجل الخيانة لهذه الجماعة الفاشية، يحاول "سمير جعجع"، زعيم خامس أكبر حزب في البرلمان اللبناني، استغلال الهجمات اللاإنسانية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على المناطق غير الشيعية لإشعال فتيل الحرب الأهلية مجدداً في لبنان.
يأتي هذا المخطط في وقت يسعى فيه معظم القادة السياسيين في لبنان إلى إيجاد حل يوقف الحرب ويحقق هدنة دائمة ومشرّفة في جنوب لبنان. هدف هذه الجهود ليس فقط انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني، بل أيضاً تمهيد الطريق لاستعادة الأراضي المحتلة مثل مزارع شبعا.
خلاصة القول
كان الاحتلال الصهيوني وحلفاؤه من الدول الغربية والعربية يتصورون أن عمليات الاغتيال الممنهجة التي استهدفت قيادات المقاومة الإسلامية في لبنان، جنباً إلى جنب مع عمليات القصف المكثفة، ستنجح في شل تركيز حزب الله وفصل قياداته العليا عن قاعدته العسكرية الميدانية، بهدف القضاء على المقاومة بشكل نهائي.
ومع ذلك، وبعد مرور قرابة شهرين على الحرب الشاملة في الجبهة الشمالية، المشهد على الأرض يؤكد عكس ذلك. فقد أطلقت المقاومة اللبنانية مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف استراتيجية في عمق الأراضي المحتلة. وخلال الأسبوع الماضي، استهدفت وحدات الصواريخ التابعة للمقاومة مدن تل أبيب، حيفا، والجليل مراراً.
وفي خضم المفاوضات الجارية للتهدئة بوساطة "عاموس هوكشتاين"، لم تتراجع المقاومة عن تصعيدها، بل فرضت - وفقاً لتصريحات الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام الجديد لحزب الله - معادلة جديدة عنوانها: "بيروت مقابل تل أبيب".
وفي الوقت الذي يعاني فيه الاحتلال من حالة ضعف، حيث يواصل رجال المقاومة الأبطال الدفاع عن كرامة لبنان، عادت "الكتائب" من جديد لتلعب دورها الخياني، محاولة إشعال الفتنة الداخلية في المدن اللبنانية.
لكن بلا شك، فإن الشعب اللبناني الواعي، الصبور، والبطل، يدرك هذه المؤامرات جيداً، ولن يتراجع لحظة عن مواجهة الاحتلال الصهيوني وقاتلي أطفال غزة، محافظاً على مسيرة المقاومة حتى تحرير القدس الشريف.
/انتهى/
تعليقك